الأديب محمد إقبال حرب
مرت سنوات عجاف قبل انتشار ثراء
الفجاءة في تلك البلاد فتزين خلالها أهل الكثبان والوديان بأبهى الحلل، واستبدلوا
الخيم بقصور باذخة والجمال بسيارات فارهة حتى استحوذوا على مبهجات الحياة باسراف لا
يخاف الفقر والممات. لم يفكر مواطن ما بتصنيع أو تحديث أي أداة يدفع ثمنها أغلى
الأسعار ولا في حفظ القرش الأبيض لأيام عجاف. فقد آمنوا بأن الله سخر لهم البشر
ليصنعوا لهم ما يحتاجون حتى يتفرغوا للعبادة كما قال عالم كبير في جمع غفير. فاستمروا
بعادة الاسراف ولم يتفرغوا للعبادة.
وفي حقبة لاحقة دمغها التاريخ بعنوان
صادم تدهورت أسعار ثروة الفجاءة وشح استخدامها بسبب اكتشاف بدائل تغني عنها على
مساحة الكوكب الأزرق مما أصاب أصحاب الطفرة بصدمات اجتماعية متوالية أرقها زائر
متسلط بالابتزاز والتهديد والسلب والوعيد. اجتمع أهل الفكر والمعرفة لبحث المسألة
وحل المعضلة. وذات يوم من احتدام النقاش سأل بدوي متنكر بملابس الغرب عن سبب
التردي بعد انهيار الأسعار. وأردف غيره محتجاً متسائلاً عن سبب التردي الحضاري
المزمن الذي لم تصلحه ثروات الفجاءة فأجابه رفيق درب الطفرة قائلاً بأنه اكتشف بأن
الثروة التي مني بها أهل البلد كانت وبالاً فلم يتعلم المجتمع إلا الكسل والإسراف
ولم يتسلق سلم المعرفة كدول شرقية وغربية نهضت من موت كان محققا، أو تحسين ظروفها
كما فعلت الدول الفقيرة كسنغافورة وكوريا، بل تجرأ غيره وصرّح بأن أهل اليمن
الفقراء المعدومين يبزونهم علماً ومعرفة.
انتفض بدوي غير متنكر بألبسة الغرب
ولكنته وقال أنا أعرف السبب. ذهل الجميع وانصتوا إليه السمع فقال: جيلنا تربى على
المأكولات المستوردة من بلاد الكفرة وتجرع المشروبات الغازية الغربية حتى الثمالة.
وكون تلك المشروبات والمأكولات تدخل خلايا الجسم وتتآخى معها فتعطيها من صفاتها
كما قال ابن خلدون. لكن هذه المنتجات أعطت مفعولاً عكسياً كونها لم تنشأ من بيئة
محلية فسببت كسلاً واستهتاراً مما هدم الديار.
قال أحدهم: ما الحل؟
أجاب البدوي: يجب أن نصنع البديل،
مشروباً من البيئة الحاضنة يدخل أجساد الأطفال والشباب ليحفز الفكر البدوي كما كان
أيام المجد. علينا أن نبتعد عن بدع الغرب وحضارته المقيتة وأن نستبدل أكلنا وشربنا
بما هو خير لنا.
وبعد أيام ظهر البدوي حاملاً زجاجات
مليئة بسائلٍ غريب قدمها للحاكم على أنها الاكسير الناجع للامة الصحراوية. مشروب
من البيئة ينشط الفكر ويشفي من أمراض الحضارة الدخيلة.
تذوقه صفوة وابدوا اعجابهم.
سأله احدهم عن اسم الشراب فقال: بعير
كولا
استغرب السائل وصرخ به: ماذا؟
البدوي : انه الكولا البدوية، تتكون
من بول بعير وتمر، مكونات طبيعية أثنى عليها السلف