د.
اشرف القصاص
رغم ما يحاك ضد الشعب الفلسطيني من جهات عديدة لإخضاعه وقتل الروح النضالية
والجهادية في صفوف الأجيال الجديدة، عبر سياسات ممنهجة ومخططة وتواطؤ محلي ودولي،
إلا أن مسيرات العودة على تخوم قطاع غزة تمكنت من قلب السحر على الساحر، وأشعلت
روح الوعي في المجتمع الفلسطيني في رفض الاحتلال، واذكت جذوة الصراع ورفض كل
محاولات التطبيع والخنوع، وأعادت الروح الوطنية للأجيال الناشئة.
الحشود على حدود غزة مع إسرائيل
تختصر حقيقة ، يؤكد فيها الفلسطينيون أنهم قادرون على إعادة الزخم لقضيتهم كلما
دخلت في دهاليز الصفقات التي تسعى لتصفيتها.
إن شعبنا الفلسطيني يبني معادلة جديدة
مبنية على تجاربه السابقة وتجارب الشعوب في هذا المجال باستخدام طرق النضال السلمي
من خلال مسيرات العودة الكبرى التي ستكون في تجمعات مختلفة بقطاع غزة في ذكرى
يوم النكبة ، ونأمل أن تتواصل الحشود في
مناطق جغرافية مختلفة مثل تجمعات اللاجئين في الضفة والقدس وفلسطين 1948م و في دول
الطوق ، إلى أن تصد وتلجم صفقة القرن وتعيد الاعتبار لقضية اللاجئين ولجوهر القضية
الفلسطينية وللحقوق الوطنية العادلة، مستندين إلى قرارات الشرعية الدولية المنحازة
للكيان الصهيوني وعلى رأسها القرار 194 .
هذه المسيرة ستعيد القضية لمركزيتها ، وتظهر بأن جوهر الصراع مع الاحتلال
الإسرائيلي هو قضية اللاجئين و المقدسات والأرض الفلسطينية، هذا الحراك سيلفت نظر العالم إلى معاناة الشعب
الفلسطيني من نظام الأبارتهايد في أراضي الـ48، والاستيطان في الضفة الغربية
وتهويد القدس و حصار قطاع غزة وأوضاع الناس الكارثية، وأيضاً معاناة اللاجئين في
الشتات وخاصة في مخيمات سوريا ولبنان .
هذه المسيرات "وجهت صفعة لتقارب أنظمة عربية مع إسرائيل، ومحاولات
الإدارة الأميركية تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى بصفقة القرن بالتواطؤ مع
أنظمة عربية ظنت أن بإمكانها وضع نهاية للصراع مع إسرائيل وتضييع الحقوق
الفلسطينية".
الرسالة الكبرى من المسيرات أنها قالت بوضوح أن الشعب الفلسطيني قادر على
قلب الطاولة على كل الأطراف، وأنه إذا كان حق العودة متعذرا واقعيا فإنه يستطيع أن
يؤكد على تمسكه به ويمنع أي محاولات للتنازل عنه مما يشكل تهديدا وجوديا حقيقيا
للمشروع الصهيوني في ارض فلسطين .
المسيرات أربكت الحسابات الإسرائيلية
التي كانت تستعد لحرب جديدة في غزة، كما أحرجت السلطة الفلسطينية التي كانت تستعد
لفرض موجة جديدة وقاسية من العقوبات على القطاع .
قدر غزة المحاصرة أن تكون دائماً مهد
الثورة وشرارة الانطلاق، لكنَّ غزة وحدها لا تستطيع أن تحمل كل هذا العبء والحمل
الثقيل، نقدِّر ونتفهم الضغوط والتحديات الذاتية والموضوعية التي يواجها
الفلسطينيون في كل أماكن تواجدهم، لكنَّ هذه الضغوط والأزمات مهما كبرت وعظمت فلا
يمكن أن تثني عزم الفلسطينيين عن مشاركة إخوانهم في غزة من انتزاع حقوقهم .
على الفلسطينيين جميعاً أن يهبوا هبة
رجل واحد وأن ينخرطوا في هذا الحراك ليس كمساند وداعم بل كعنصر رئيس وفاعل، بان
ينقضوا على السياج الفاصل من كل حدب وصوب
في لحظة تاريخية حاسمه تكون إسرائيل وقتها في حالة من
عدم الاتزان .
بالتالي واجب على الكل الفلسطيني في
أماكن تواجدهم أن يهبوا على الفور للانخراط بمسيرة العودة وألا ينتظروا كما انتظرت
جيوش العرب يوم الخامس عشر من مايو عام 1948 ليدخلوا إلى فلسطين وقد ضاعت ووقعت في
أيدي الاحتلال الصهيوني .
حتى
الآن نجحت المسيرة في تحقيق العديد من الأهداف، أهمها:
•
التأكيد على عدم التنازل عن حقوق اللاجئين والمهجرين وبقية الثوابت الوطنية
.
• إرهاق العدو الصهيوني والضغط عليه كمجتمع مدني و قيادة سياسية وجيش
عسكري ، مما ينعكس على ضعف الهجرة
الوافدة وتقليل حجم الاستثمارات القادمة من
الخارج وزيادة النفقات ، وتوتير الساحة
السياسية و الإعلامية ، وفضح الدعايات
الكاذبة لقادة الاحتلال والتي أهمها أن
المشروع الصهيوني ينعم على ارض فلسطين
بالأمن والأمان وفي هذا إساءة واضحة لوجه قادة الاحتلال .
• إخلاء مستوطنات غلاف
غزة بالذات في عهد
حكومة الاستيطان اليمينية المتطرفة
.
• إحراج السلطة الفلسطينية التي
تستمر في الضغط على القطاع ومحاصرته، ومواصلة فرض المزيد من العقوبات..
• إحراج سلطات الاحتلال وكذلك
الإدارة الأمريكية التي تستمر في التغطية على فضائح جرائم الاحتلال، بحجة أن
جماعات المقاومة تنفذ أعمالا “إرهابية” ضد الاحتلال، فهذه المسيرة رغم سلميتها إلا
أن الاحتلال استهدفها.
• تربية وتدريب الجيل الحالي
والأجيال القادمة تربية واقعية على مواجهة الاحتلال الصهيوني
كونه العدو الأول لنا بالتالي يجب الاشتباك
معه وإرهاقه والنيل منه بقص السلك
وحرق الكاوشوك وإحراق مغتصباته بالطائرات الورقية وصنع
أفكار إبداعية نضالية أخرى يعجز
الاحتلال عن مقاومتها .
• التحديات
• الحفاظ
على الزخم الشعبي لأطول فترة ممكنة فالمسيرة بدأت يوم 30 مارس ومن المقرر
استمرارها إلى ما بعد 15 مايو المقبل،
واتساعها في مناطق اللجوء الفلسطيني خاصة في الضفة الغربية والقدس وفلسطين 48 ودول
الطوق وكل مناطق التواجد الفلسطيني في العالم أجمع رغم الضغوطات لإنهائها.
• يجب على الهيئة القيادية لمسيرات العودة الكبرى
التحرك العاجل والفوري على الساحات العربية والإسلامية الإقليمية والدولية لطلب
العون والدعم من كل مناصر للحق الفلسطيني ، العون المادي والمعنوي والاغاثي والإعلامي والسياسي لدعم مسيرات العودة و لمقاومة الحصار الصهيوني وللتصدي للعقوبات التي تفرضها
السلطة الفلسطينية لتحسين الحالة المعيشية للسكان في غزة ليتسنى لهم الاستمرار في دعم مسيرات العودة والانخراط بها .
• كثرة
الإصابات_ 6700 اصابة و50 شهيد - والإعاقات
وحالات البتر في صفوف المتظاهرين مما
يتطلب توفير العلاج لهم وتقديم الدعم المالي والمعنوي والنفسي من خلال هيئات
اغاثية ومؤسسات أنشئت خصيصا لضحايا وجرحى مسيرات العودة .
• محاولة
السلطة الفلسطينية في رام الله والدول
العربية الالتفاف على هذا الحراك وتفريغه من مضمونه عبر إدارة الحصار وإحداث تنفيسات واهية للحالة المعيشية وتسهيل حركة المعابر والرواتب
في غزة دون الحديث عن القضايا الوطنية
والسياسية التي تمثل جوهر الصراع مع الاحتلال .
ونتيجة استمرار التظاهرات السلمية
التي وضعت المزيد من الضغوط على سلطات الاحتلال، ستدفع إسرائيل في النواحي الآتية:
1- إجهاض آلية التظاهرات السلمية:
ستستمر دولة الاحتلال في استهداف
المشاركين بمسيرة العودة، لإجهاض فكرة التظاهرات السلمية من قبل غزة بشكل خاص، لأن
نجاحها، يعني تكرارها مستقبلا، ما يضع ضغوطات على دولة الاحتلال من حيث إثارة
الداخل على حكومة اليمين المتطرف، وعلى مستوى المنطقة العربية ستحرك الرأي العام
بما يضغط على أنظمتها، ما يضعها في حرج بالغ وبالتالي وقف أي تعاون جاري الآن مع
إسرائيل.
2- دفع حركات المقاومة إلى التصعيد
العسكري:
ستحاول “إسرائيل” جر حركات المقاومة
خاصة في قطاع غزة إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال، لتبرير قمعها للفلسطينيين
واستهداف المسيرة، والترويج لمزاعم استخدام حركات المقاومة للمدنين كدروع بشرية.
3-
الضغط على الدول العربية:
يأخذ كل يوم مسار التعاون بين دولة
الاحتلال وبعض الدول العربية، مرحلة جديدة من التقدم، وتستغل إسرائيل ذلك في الضغط
على هذه الدول لإجبار حركات المقاومة على وقف مثل هذه التحركات.
4- محاولة تحييد أو منع انقلاب
الموقف الأوربي في وجه الاحتلال الصهيوني
:
تخشى دولة الاحتلال في الظروف
الحالية من حدوث انقلاب غربي وبالتحديد
روسي كبير عليها، بسبب سياساتها في سوريا، فعقب قصفها لمطار التيفور
العسكري في سوريا، خرجت موسكو ببيان شديد ضد الاحتلال فيما يتعلق بغزة، حيث أعربت
روسيا عن رفضها المطلق لاستخدام القوات الإسرائيلية العنف العشوائي ضد المدنيين في
غزة، داعية لإجراء تحقيق مستقل وشفاف في سقوط الضحايا، ولم تتحدث موسكو بهذه الحدة
منذ اندلاع التظاهرات، لكن بسبب تعنت إسرائيل فيما يخص الملف السوري مما دفع موسكو
للتلويح بورقة القضية الفلسطينية.
لذلك أقدم
لكم المقترحات التالية :-
التي تستند
على إحداث زخما واتساعا اكبر
لمسيرات العودة في ما بعد 14/5/2018م
1- على الهيئة القيادية
لمسيرات العودة الكبرى عمل
اختراق في المجتمع الغربي من خلال
بث الرواية الفلسطينية الصادقة ودحض الرواية الصهيونية الكاذبة من
خلال تعيين ناطقيين
رسميين باللغات الأجنبية
يكونوا متحدثين باسم
مسيرات العودة الكبرى خاصة لدى الدول
128 التي أجهضت القرار الأمريكي في
الجمعية العامة للأمم المتحدة .
2- تمكين مسيرات
العودة من كل بيت فلسطيني
في الداخل والخارج من خلال
توزيع استمارة ورقية لكل رب
أسرة فلسطيني تؤكد موافقته وتوقيعه
على طلب العودة إلى ارض فلسطين وانه
لن يتنازل عن هذا الحق الذي كفلته القوانين الدولية . مما يشكل
إحراجا قانونيا وسياسيا
وإعلاميا لكل القوى والانظمه التي تسعى إلى
إجهاض هذا الحق وتهميشه. ولتكن (14 مليون وثيقة مكتوبة بعدد أبناء الشعب الفلسطيني) .
3- إخراج قيادة ميدانية من الشباب
الفلسطيني الثائر( بعيدة عن اللون
التنظيمي والحزبي إعلاميا ) ويكون لها القدرة على
إقامة الفعاليات والتحشيد وخلق الافكار الابداعية في مقاومة الاحتلال ويكون لها
ناطق رسمي باسم القيادة
الشبابية لمسيرات العودة الفلسطينية
في الوطن والشتات .
4-
عمل دورات ميدانية لتدريب
المشاركين في مسيرات العودة على قص
السلك وحرق الكاوشوك والتعامل
مع قنابل الغاز
واقتحام الحدود والإسعاف الأولي ( لتقليل
الخسائر البشرية ) وهذا مهم لاستمرار
مساندة الحاضنة الشعبية لمسيرات العودة .
5- استغلال الوضع الديمغرافي وتواجد
الشعب الفلسطيني فوق أرضه في إحداث حراك
ضاغط على كل الأنظمة العربية والدولية
لمساندة القضية الفلسطينية وكشف جرائم الاحتلال
من خلال الندوات والفعاليات
والتظاهرات والاعتصامات والمقالات الصحفية والمجتمع المدني .
ختاما يمكن القول، إن مسيرة العودة
الكبرى، مثلت تقدما مهما في آليات مقاومة الاحتلال، خاصة في قطاع غزة، مما أحرج
الكثيرين، وسيساعد في إجهاض مخططات كثيرة لتصفية القضية برمتها وعلى رأسها حق
العودة، كذلك مثل قبول حركات المقاومة خاصة حماس بهذا الأمر تطورا مهما، معتبرة
أنه بداية لمقاومة سلمية، لكن هذا لن يغني عن المقاومة العسكرية، التي تخشاها دولة
الاحتلال أكثر من أي عامل آخر سواء الضغط الدولي أو الإقليمي أو التظاهرات.