الأديب ناجي نعمان
تعودُ مِن جَولةٍ لكَ في شَماليِّ
ألمانيا وبَعضِ اسكَنْديناﭭـيا حيثُ لَفَتَتْكَ الطُّرُقاتُ بنَوعيَّتِها
ووَساعَتِها وتَنظيمِ السَّيرِ عليها، كما لَفَتَتْكَ الأنفاقُ تَخْتَرِقُ الجبالَ
ولا تَخْشى الغَوصَ في المِياه، والجُسورُ تَمْتَطي البِحارَ وتُقارِبُ السُّحُبَ؛
تعودُ مِن جَولَتِكَ، إذًا، بعدَ
مُنتَصِفِ اللَّيلِ لِتَسْتَقبِلَكَ فَوضى مطارِ بيروتَ، ومعها ضجيجُ ناسِه،
مَسؤولين وقادِمين ومُستقبِلين ومُسافِرين ومُودِّعين. وإِذْ تَخْرُجُ مِن داخلٍ
فَوضَوِيٍّ ضاجٍّ إلى خارجٍ أكثرَ فَوضَوِيَّةً وضَجيجًا، تَروحُ تَسْتَنشِقُ عَبيرَ
الوطنِ مَوْجاتٍ مِن روائِحَ نَتِنَةٍ تَنْبَعِثُ مِن نُفاياتِ بَني أُمَّتِكَ،
قبلَ أنْ تسيرَ بكَ سيَّارةٌ في شوارِعَ مُعْتِمَةٍ، الحُفَرُ دَيْدَنُها، إنْ
تَسَلَّلَ إليها نورٌ فَلِتُمَتِّعَ نَظَرَكَ بصُوَرٍ تَتَراوحُ حَجمًا بين
ضَخامةِ الدَّيْناصوراتِ وصِغَرِ القُبَّرات، صُوَرٍ تَكْسو الأخضرَ واليابِسَ،
تَحْجُبُ أيَّ شَيءٍ آخَرَ، صُوَرٍ لِخَلائِقَ تَتَناتَشُ مقاعِدَ نيابيَّةً
جُلُّها مأجورٌ مَأمورٌ مِن خارجٍ مُستَأجِرٍ آمِر. وتَتَذكَّرُ الصُّوَرَ
القليلةَ الصَّغيرةَ المَزروعةَ في حِضْنِ الطَّبيعةِ الغَنَّاء، عندَ زوايا
طُرُقاتِ بَعضِ ضِياعِ أرقى دُوَل العالَم، مِن حيثُ تأتي، صُوَرًا تُمَثِّلُ
طامِحين للخِدمةِ في الشَّأنِ العامِّ!
أجَل، أيُّها الأحِبَّةُ، الشَّأنُ
العامُّ له ثَقافتُه أيضًا، وهو خِدمةٌ وتَضحيةٌ، وليسَ استِخْدامًا ومَصلحَة. والسَّادسُ
مِن أيَّارَ على الأبواب، فَوَصِّفوا الوَضعَ الَّذي تَعيشون، واقتَرِعوا لِنَظافة
الكَفِّ والصِّدقِ والجُرأةِ، على أنْ تَقْتَرِنَ الصِّفاتُ السَّابِقَةُ بالعِلمِ
والتَّنَوُّرِ والاستِشراف؛ واعلَموا أنَّ لُبنانَنا في حاجةٍ، اليومَ، وأكثرَ مِن
أيِّ وقتٍ مَضى، إلى مُشَرِّعينَ أَكْفَاء، واقتِصاديِّين رُؤيَوِيِّين؛
فأَقْدِموا!
… وإِنِّي قد بَلَّغْت!