منصور أبو كريم
منذ بداية التحضير لمسيرات العودة
التي انطلقت في غزة ومعظم التجمعات الفلسطينية في الداخل والخارج أثار الجدل في
الأوساط الفلسطينية حول مفهوم المقاومة الشعبية والسلمية باعتبار أن مسيرات العودة
تندرج في سياق الفعل الوطني الفلسطيني المقاوم، الذي يتخذ شكل المقاومة الشعبية
السلمية.
ومع تصاعد حدة النقاشات حول دلالة
المفاهيم في ظل حساسية اللحظة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية، التبس
الأمر على كثير من المواطنين وخاصة نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، فتم الخلط
أحياناً بين المفاهيم والمصطلحات باعتبارها مرادفات، ويحدث الخلط إما بطريقة عفوية
أم مقصودة، لذلك أرغب في هذه المقالة توضيح الفرق بين ثلاثة مصطلحات مهمة، هي: المقاومة
الشعبية، والمقاومة السلمية، والمقاومة الذكية، لأن بعض الناس يتعامل مع هذه
المصطلحات على أنها مرادفات، ولا يستطيع التمييز بينهم، على الرغم من جود اختلافات
جوهرية بينها رغم التداخل الشديد، لذلك يمكن لنا التمييز بينهم من خلال العرض
التالي:
المقاومة الشعبية هي المقاومة التي
تقوم بها الشعوب وليس الدول أو الحكومات لمواجهة أي احتلال أجنبي، وهي حق من حقوق
الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أكدت عليها كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية
والكثير من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذا الشكل من المقاومة يستخدم العديد
من الأدوات بما فيها الأدوات السلمية والغير سلمية، والمقاومة الشعبية هي الفكرة
التي قامت عليها معظم الثورات في مواجهة الاستعمار بما فيها الثورة الفلسطينية،
التي استخدمت الحرب الشعبية طويلة الأمد، والكفاح المسلح كوسيلة رئيسية في بداية
انطلاقتها.
وعكس المقاومة الشعبية هي المقاومة
المنظمة التي تقوم بها الدول الحكومات والأنظمة في إطار حق الدفاع الشرعي عن النفس
في حالة تعرض أرضيها للاحتلال أو التهديد بالاحتلال.
المقاومة السلمية، وهي شكل من أشكال
المقاومة الشعبية ولكن يتم فيها التركيز على الأدوات السلمية في مواجهة الاحتلال
أو الاستعمار، أو في ومواجهة الاستبداد المحلي، وهي الأدوات والأساليب بتركز على
الاعتصامات والمظاهرات والاضراب وعدم التعاون مع سلطات الاحتلال أو الاستبداد،
وهناك عدة أمثلة على هذا الشكل من المقاومة على المستوى المحلي الدولي، منها
التجربة الهندية والجنوب أفريقية، ومحلياً خير مثال على هذا النوع الأضراب الكبير
عام 1936م الذي أعلنت عنه الهيئة العربية العليا برئاسة الجاح أمين الحسني في ذلك
الوقت.
عكس هذا الشكل من المقاومة أو النقيض
لها هي المقاومة المسلحة أو العنيفة التي تستخدم أساليب المقاومة المسلحة مثل
العمليات العسكرية المختلفة.
المقاومة الذكية، مصطلح جديد ظهر
حديثاً في الساحة الفلسطينية، يحاول البعض استخدامه لوصف المقاومة السلمية أو
الشعبية في الحالة الفلسطينية.
وهو محاولة لإسقاط مصطلح القوة
الذكية الأمريكية على الحالة الفلسطينية، وهذا أمر صعب من وجهة نظري لعدة
اعتبارات، منها أن مصطلح القوة الذكية هو حاصل جمع مصطلح القوة الصلبة أو الخشنة
والقوة الناعمة الأمريكية بحيث تم دمج بعض الأفكار والأدوات التي قامت عليها
استراتيجية القوة الصلبة والقوة الناعمة للخروج باستراتيجية جديدة ترتكز على القوة
الذكية في تنفيذ السياسة الخارجية الامريكية خلال فترة حكم الرئيس أوباما،
وبالتالي كيف يمكن دمج استراتيجية المقاومة العسكرية والسلمية للخروج بمقاومة
ذكية؟
بالإضافة إلى أن القوة كأداة تأثير
تختلف تماماً عن المقاومة كأداة مواجهة! نهيك أن لو استخدامنا مجازًا مفهوم
المقاومة الذكية في الحالة الفلسطينية واطلقناها على نوع من أنواع الفعل المقاوم
الفلسطيني يصبح النوع الأخر المضاد لها هي "المقاومة الغبية" وهذا لا
يجوز، لان في علم اللغة فهم المعني للمصطلح يأتي من المضاد.
صحيح أن مصطلح المقاومة الذكية ظهر
في الحالة الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة لمؤتمر حركة فتح السابع قبل عام
تقريباً، وتحدث عنه أكثر من مسؤول فلسطيني، حتي أن الأستاذ نبيل عمرو عندما سأله
الصحفي ناصر اللحام عن دلالة المصطلح قال " أن المقاومة الذكية من وجهة نظره
هي التي تغير الأدوات ولا تغير الأهداف، وهي التي تحقق أكبر قدر من هذه الأهداف
بأقل الخسائر" إلا أن ذلك لا يعني أن يتم التنظير له واستخدامه بشكل علمي
للدلالة على شكل أو أسلوب من أساليب المقاومة الفلسطينية لأننا إذا سلمّنا بوجود
مقاومة ذكية سوف نحكم على الشكل الآخر من المقاومة "بالغباء".
صحيح أن من حق أي كاتب أو باحث أن
يستخدم المصطلح الذي يراه مناسباً لكن عليه أن يقدم لنا الحجة والبرهان العلمي
والعملي لحُسن اختياره، وإلا فأنه يضع نفسه أمام الكثير من التساؤلات وفي النهاية
أود الإشارة إلى موضوع مفهوم المقاومة في الفكر السياسي الوطني كان محور رسالتي
للماجستير، التي نالت إشادة المناقشين والمشرف وطبعت في كتاب موجود بالأسواق.