هناء الخالدي
على ركام الأحلام المكبلة .. والدكتاتوريات
المستبدة .. والديمقراطيات المصطنعة .. والشعوب المقهورة العاجزة .. وأنظمة عربية مازلت
تحافظ على الإرث الاستعماري .. لتثبت دوما أنها أنظمة سلطوية لا تمت للإدارة الشعبية
بصلة ..فعلى قمم أولوياتها حفظ النظام وديمومته بعيداً عن المصالح العليا وقضايا العرب
المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية .. فمسلسل التفريط مستمر وممهنج بأرض فلسطين
حتى وصل هذا التفريط أوجه عندما طرح العرب مبادرتهم للسلام قبل عدة سنوات في قمة بيروت
.. والتآمر على العراق والمشاركة في حصاره وفي عملية تدميره .. ولعبهم لدور المتفرج
أحيانا والداعم أحيانا أخرى لإدارة الصراع والمشاكل الخطيرة الجارية في سوريا وفي اليمن
والصومال وفي السودان وفي بداية الثورة الليبية كما شاهدنا سرعة الإدانات واتخاذ القرارات
الممهدة لتسليم الملف للقوى الدولية والاستعمارية ..ولم يكتف العرب بالعجز والوهن بل
الآن هم رهن انتظار الاملاءات الدولية ... ليمعنوا بالعجز المتواصل والشلل التام في
كل مراحل الأزمات العربية والمواقف التاريخية التي يخلدوها بالعار .. لترسيخ حالة التشرذم
والتفكك والضعف العربي .. لتبقى العائق الحقيقي لكل مشاريع الوحدة العربية .. ولتبقى
الأداة الجاهزة لتمرير المشاريع الاستعمارية على شعوبنا العربية ..
لطالما اكتظ الفضاء العربي بمحاور وتحالفات
تغيرت وتبدلت وفق السياق الدولي العام، وتأرجحت بما ينسجم مع موازين القوى الدولية..
وهي لم تكن حكراً على الدول العربية بل انسحبت على الحركة الوطنية الفلسطينية .. وبشكل
عام فإن حالة الخلاف العربي المزمنة التي تعكس مشكلة النظام العربي وارتهان عدد كبير
من الدول العربية لإرادة قوى خارجية ألقيا بظلالهما السوداوية على المشهد الفلسطيني،
وساهما في فرملة مشروع التحرير من عدة مواضع منها:
- إضعاف الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي وأمام
المؤسسات الدولية في غياب رؤية عربية موحدة يتم مخاطبة المجتمع الدولي بها ..
- - تحسين البيئة الإستراتيجية "لإسرائيل"
مع غياب جسم عربي موحد قادر على ردع "إسرائيل" ولجم مخططها ..
وبالنظر إلى الواقع الحالي فإن النظام العربي
الذي تعصف به الخلافات وتمزق الحروب بعضاً من أجزائه يتعرض لتحديات وجودية وتدخلات
دولية أدت إلى إضعاف الموقف الفلسطيني أكثر وتعرض القضية الفلسطينية إلى مخاطر مصيرية
.. وهذا كله مهد الى ولادة مؤامرة جديدة اطلق عليها صفقة القرن
الذي بدأ تنفيذها قبل الإعلان، بتجليات
على الأرض منها :
الاعتراف بالقدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل
.. ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقطع التمويل عن الأونروا وإغلاق مكتب المنظمة
وغيره الكثير من تجهيز الساحة العربية لاستقبالها .. ظنا منهم أنها تسويق للإستراتيجية
الإسرائيلية للحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي و إعطاء الانطباع بأنها خطة
أمريكية وجب تنفيذها دون تردد .. فمنذ أن جاء نتياهو لرئاسة الوزراء عام 1996 كان يريد
أن يجعل من دولة إسرائيل دولة عظمى مستقلة في قراراتها عن الولايات المتحدة .. حينها
رفض الرئيس بيل كلينتون رؤيته ووصفه بأنه رجل لا يطمح للسلام مما أدى إلى خروجه من
منصبه عام1999 .. لكن نتياهو استغل وجوده في الدوائر المغلقة للعلاقات الإسرائيلية
الأمريكية للتعرف على نقاط الضعف والقوة في المؤسسة السياسية الأمريكية التي استمرت
أكثر من 15عام مما سمح له أن ينسج علاقات وطيدة مع المؤسسة السياسية الأمريكية وإنشاء
دوائر ضاغطة وداعمة لإسرائيل ومصالحها الإستراتيجية وتحديد الوقت المناسب للتنفيذ
.. ووضع أهداف أمام عينيه لإنهاء قضايا مصيرية منها:
أن تصبح إسرائيل دولة عظمى صاحبة قرار مستقل
عن الولايات المتحدة
إنهاء حق العودة .. استمرار الاستيطان
.. السماح بدولة بشروط في غزة بأقل عدد سكان تمتلك ميناء ومطار .. ضم الضفة الغربية
كجزء لا يتجزأ من إسرائيل .. تحقيق يهودية الدولة .. وهذه كلها بنود ما أطلق عليه في
عهد ترامب ( صفقة القرن ) التي تبناها ترامب جملة وتفصيلا ... وبدأ يخلق أرضية صلبة
لولادتها سواء على الصعيد الإقليمي أو العربي أو الداخلي الفلسطيني .. فقبل تولي ترامب
الرئاسة بدأ نتنياهو في تحقيق الكثير من الآليات لتحقيق الهدف الصهيوني وذلك للتخلص
من أوسلو عن طريق اغتيال رابين 1996 وياسر عرفات2004 .
وسبق ذلك خطوة فك الضفة الغربية عن قطاع
غزة وكان حينها نتنياهو يشغل منصب وزير الخارجية لدى حكومة ارئيل شارون اعتبارًا من
نوفمبر 2002 وحتّى فبراير 2003 حين عُيّن وزيرًا للمالية حتى أغسطس 2005،حيث شارك في
صياغة خطة فك الارتباط من جنب واحد دون تنسيق مع الطرف الفلسطيني لإثارة الفوضى في
قطاع غزة وإحراج السلطة أمام الأحزاب المعارضة وخاصة حركة حماس .. والإساءة لفتح ومؤسسات
السلطة مستعينة بمؤسسات المجتمع المدني الأجنبية والفلسطينية .. التي كانت تنال موازناتها
المالية من مؤسسات أمريكية .. وإحراج السلطة الفلسطينية مع حماس و التي رأت إسرائيل
بان قيامها بأداء دورها الذي خلقت من اجله قد حان .. لتأجيج الصراع مع حركة فتح ومنظمة
التحرير، من اجل الخلاص نهائيا من الجسم السياسي الفلسطيني الذي شارك بالتوقيع على
اتفاقية أوسلو.. ولذلك أبدت إسرائيل بعد خطوة فك الارتباط ليونة غير مسبوقة بقبول مشاركة
حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006... وكان على بعض الدول العربية مثل قطر والإقليمية
مثل تركيا أن تساعد في خطة الخلاص من منظمة التحرير كمؤسسة وطنية ذات مشروع وطني لن
يتنازل عن الدولة الفلسطينية على حدود1967وعلى أن تكون القدس الشرقية عاصمتها .. ومن
اجل ذلك على حماس أن تقوم بانقلابها عام 2006 كخطوة هامة في تحقيق فصل غزة عن الضفة
الغربية .. بالتزامن مع استمرار أكذوبة المفاوضات التي لم تجدي نفعاً ..
وبعد ذلك جاء عهد اوباما الذي حاول من خلاله
نتنياهو انتزاع اعتراف بيهودية الدولة الذي تحقق من خلال كلمته أمام الأمم المتحدة
في سبتمبر عام 2012بالاضافة إلى ما أوصى به (دينس روس) أن الرئيس الفلسطيني أبو مازن
لن يكون شريكاً في أي عملية سلام ..وهذا كان بمثابة تصفية سياسية للرئيس الفلسطيني
.. و زرع عدم الثقة بين الشعب الفلسطيني و قيادة منظمة التحرير .. الشيء الذي لا يدركه
الشعب ولا القيادة الفلسطينية بكل أطيافها! ومن هنا استطاع نتتياهو التمهيد لصفقة القرن
من خلال :
• الخلاص من أوسلو و المشاركين على توقيعها الأساسيين فلسطينيين كانوا أو
إسرائيليين.
• الخلاص من تابعيات أوسلو الملزمة لإسرائيل.
• تنفيذ السلام القائم على مبدأ تحسين الوضع الاقتصادي و إلغاء أي حل قائم
على مبدأ الأرض مقابل السلام.
• فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية سياسيا و منع قيام أي تواصل جغرافي.
• تحقيق يهودية الكيان الصهيوني.
• القدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل.
• ضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني.
• إعطاء دورا لحماس و من يدور في فلكها بتحقيق دويلة محددة القدرات في غزة.
• إنهاء حق العودة عبر إلغاء المؤسسات الدولية التي يمكن أن تبقيه حيا
(الاونروا)، وإعطاء الفرصة للهجرة الطوعية و الهجرة القسرية.
صفقة القرن هذه شبيهة بسوق النخاسة...يتاجر
فيه الغرب بالعرب .. هي صفقة الثيران اليائسة والخراف المرعوبة .. بل هي قمة الجالسين
فوق الركام والحطام لما تبقى من كرامة للعرب .. صفقات ذل وعار وانبطاح محتل يأخذ ارض
العرب ليدير الصراع بينهم وعلى أرضهم .. نتمنى أن تكون صفعة يصحو بها المارد العربي
من سباته .. الذي طال وسوف يقتلع العدو الصهيوني والأمريكي والخونة من المنطقة ..