الكاتب رمزي الغزوي
كيف لنا أن نثق بمن يستخفون بحرير
مشاعرنا وهفيفها الرقيق؛ فيتظاهرون بالفقر والحاجة والعوز، وهم يمدون إلينا أيادي
التسول على مفارق الطرقات وأطاريفها؟ كيف لنا أن نصدق حتى صادقهم، ونحن نسمع ونرى
بين الحين والآخر عن متسولين خلّفوا عمارات وأطياناً وأرصدة تتكدس لتعمير البنوك.
لن أكون مثل الذي أقلاع عن القراءة،
من كثرة ما قرأ عن مضار التدخين وبلاويه. لن أكون مثله، حتى ولو اقتنعت بقول بعض
الناس، حينما يحجمون عن مد يد العون للمتسولين بحجة (كثيرة الشحادين تقلل الصدقة).
لن أكون هكذا؛ لأني أحدس أن ثمة محتاجاً حقيقيا ربما يكون بين هؤلاء، كان الأولى
أن تصله يدنا قبل أن يمد يده، ويريق وجهه ماءاً على تراب الطريق.
من لبنان الشقيق تجيء صورة متسولة
وجدت ميتة في سيارة ببيروت ومعها خمسة آلاف دولار. وفوق هذا تحوز وثائق تثبت تثبت
ملكيتها لما لا يقل عن مليون وربع المليون دولار تكتنز في البنك. وجه السيدة ينبئ
أن لها تسعين عاما من الشقاء والجفوة مع الحياة، لكنها على ورق التواريخ الميلادية
شابة في الثالثة والخمسين.
اشعلت مواقع التواصل في بلاد الآرز
بنيران هذه الحادثة الخادشة لمبادئ التفكير الإنساني البسيط. فكيف خدعتهم هذه
السيدة طيلة تلك الفترة؟ بل كيف خدعت نفسها؟ وزيفت مشاعرها؟ وحالتها؟ ورضيت أن
تتحول إلى آلة كنز للمال دون أدنى مآل، أو بلا اصغر هدف أو بارقة أمل في الأفق
تلوح.
لماذا لم تتوقف هذه السيدة في لحظة
ما وتقرر أن ما جمعته يكفي ويكفي. وأنها ستحول كل ما تسولته إلى حياة إلى حياة
خالصة. تعيش وتأكل وتسافر وتقتني سيارة وبيتا وعطرا فاخراً وأصدقاء؟ ربما فاتها
هذا السؤال البسيط، ووجدت نفسها منهوبة مسلوبة، وعبدة لشهوة المال، فضاعت هباء،
حتى بلا وريث. فأي حزن هذا؟ بل أي غبن؟
قبل عشرة سنوات، وتحديدا في ظلال
أزمة البورصة تكشفت لنا حقائق مثيرة. فمن كان طيلة سنوات محط شفقتنا وعطايانا؛
نتفاجأ أنه خسر عشرين أو ثلاثين ألفاً من الدنانير في البورصة الوهمية.
لن أقسو على السيدة اللبنانية رحمها
الله، بل أشعر بالحسرة عليها، كما أشعر بحسرة على كل لا يقف هنيهة أو لحظة بين
تعبين ويقول: دعونا نأخذ ملء صدورنا شهيقاً، ونفكر بأكسجين وفير. لماذا نتسول من
الحياة، ما لا نستطيع أن نسيّله ونحوّله إلى حياة خالصة؟ لماذا كل هذا اللهاث
العالي الغبي؟ لماذا انقطاع الإنفاس وضياع العمر وتقطعه خلف سراب يسمى الأبد.