الكاتب رمزي الغزوي
التماسيحُ تبكي بغزارة، والأشجار
ببطء تبكي، والأرض تبكي بصمت وموت. بكاء التماسيح لا يجيء إلا بعد وليمة دسمة
ثقيلة؛ كي تتخلص أجسامها الشرهة من فائض الأملاح. (هل تذوقتم دمعة تمساح يوما ما؟).
والأرض تبكي قهراً ألماً, إن عاد إلى رحمها شهيدٌ ملفوف بدمائه الحرى.
يُستخرج المطاط أو الكاوتشوك الطبيعي
من شجرة تعيش في المناطق الحارة، يُجرح جذعها بمشرطٍ؛ فيسيل المطاط منها ببطء كأنه
الدمع. وكلمة كاوتشوك جاءت من الإسم المحلي للشجرة، باللغة المكسيكية القديمة،
وتعني (شجرة الدموع).
في الجمعة الثانية ليوم الأرض حاول
الغزيون أن تكون مسيرتهم لافتة خلاقة, فصنعوا غيوما سوداء من حرق مئات الإطارات؛
لتحجب أجسادهم عن رصاص القناصة الخانسين في سواترهم الحصينة. الغزيون سموها جمعة
الكاوتشوك.
يفترض أن تصمت الإنسانية وتخنس. لا
أن تتباكى بكاء تمساح شره، حينما تأتي سيرة الأرض وما يلوثها ويشوبها. فقد احتج
بعض أنصار المحافظة على البيئة، من أن تلك الغيوم ستثقب طبقة الأوزون وتجرحها.
لا يا سادة يا رقيقون، هذه الغيوم لن
تصل إلى أوزونكم ابداً. هذه غيوم سطحية سوداء من الكربون، ستهبط بعد ساعة أرضاً؛
لتسود وجه المحتل، ووجه من يرى أن على مقاومته، أن تكون بيضاء مهذبة مهندسة بكامل
كياستها ولطفها ونعومتها.
الأوزون أو الأكسجين الثلاثي غاز
يوجد في طبقات الجو العليا، لن تصله غيوم كاوتشوك الغزيين. هو غاز يحمي الأرض من
الأشعة فوق البنفسجية الضارة الآتية من الشمس، أي هو ينخل ضوءها ويفلتره.
ولهذا لا تخافوا أيها السادة،
فغيومنا السوداء لن تصل إلى أوزونكم ولن تثقبه، وأن ما يثقبه هو غازات مصانع الدول
الشرهة، التي لم يرف لها جفن على تنخيل شعب كامل، أو خنقه في أرضه المسلوبة.
أيها الأوزونيون. لا تلوموا أناساً
محاصرين منذ سنوات، بلا أدنى أمل، لا تلوموهم حينما أرادوا أن يلفتوا الإنتباه إلى
قضية إنسانية كبرى, قضية وطن محتل بغطرسة× قضية غفل عنها عالم مدجج بضمير سميك، لا
يشبه إلا الكاوتشوك.
بعيدا عن طبقات الجو العليا. يستخدم
غاز الأوزون على نطاق واسع في تعقيم المياه وتنقيتها. ولهذا نحتاج إليه، لا لنعقم
مياه تطفىئ جمرنا المتقد الوقاد. بل نريد الأوزون لنعقم ضمائر الكاوتشوك العالمية؛
التي لم تجد في مقتل وجرح المئات من المواطنين العزل ما يهز ذرة في مدارهم. نريد
الأوزون لتعقيم ضميركم الكاوتشوك، أيها المهذبون الناعمون. فالأوطان لا يقف شيء في
سبيل تحريرها.